المدينة المنوّرة حيث تتنفس الروح سكينة، وتمشي الخطى على أثر النبوّة.
في كل زاوية من زواياها قصة، وفي كل مَعلم شاهد من شواهد النور الأول.
هنا حيث تجتمع الأرض بالسماء، وتحتضنك الأماكن التي مرّت بها أقدام الصحابة، وشهدت مواقف الإيمان والدعوة.
تأمّل في الطرقات القديمة، وفي بساتينها العامرة، وفي مساجدها التي حفظت صدى الدعاء وعبق السجود.
ليست مجرد أماكن بل صفحات حيّة من السيرة النبوية، تعيشها بكل حواسك، و تغادرها وقلبك فيها.
خلّنا نأخذك في جولة، ترى فيها تاريخ ما يُنسى، وتزور أماكن تحكي أعظم القصص.
المسار الأول
مسجد العصبة
يقع هذا المسجد في موضع يُروى أن النبي ﷺ صلى فيه خلال إحدى غزواته. وسُمّي "العُصبة" لأنه كان مكانًا يستريح فيه الصحابة في طريقهم من وإلى المعارك. هدوء المكان اليوم يُشعرك برهبة الزمن الأول، وكأنك تستمع لصوت أقدامٍ مضت هنا في صمتٍ مهيب.
بئر الهجيم
إحدى الآبار القديمة التي كانت مصدرًا للماء لأهل المدينة وزوارها، ويُقال إن النبي ﷺ نزل عندها في إحدى تنقلاته الدعوية. لا تزال البئر قائمة بتفاصيلها البسيطة، وكأنها تروي قصة سُقيا العابرين في أرضٍ باركها الوحي.
مسجد بني أنيف
بناه الصحابة من بني أنيف في بدايات الدولة الإسلامية، وذكرته الروايات كمكان صلى فيه النبي ﷺ. ورغم صغر حجمه، يحمل المسجد إرثًا كبيرًا من الوفاء والإيمان، شاهداً على مكانة قبيلة أنيف في صدر الإسلام.
مسجد قباء
أول مسجد أُسّس في الإسلام، وأول بناء شيده النبي ﷺ بيده بعد وصوله إلى المدينة. ارتبط بعظيم الأجر، فقد قال ﷺ: "من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلّى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة." كل زاوية في هذا المسجد تحكي قصة إيمانٍ بدأ من هنا.
مزرعة العالية
مزرعة تاريخية ذُكرت في كتب السير بوفرة نخيلها وجودة ثمارها، وكانت تُعد من أطيب أراضي المدينة. زارها النبي ﷺ أكثر من مرة، وظل عبير نخيلها شاهداً على زياراتٍ طيبة ومواقف خالدة من الصحابة.
مزرعة عبد الرحمن بن عوف (سُوالة)
كانت هذه الأرض عامرة بالخيرات وتعود لأحد العشرة المبشّرين بالجنة. عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، عُرف بكرمه وسخائه، وكانت مزرعته مصدر رزق للفقراء والمساكين. زيارتها اليوم ليست فقط عبورًا بين النخيل، بل تذكير بروح العطاء في زمن النبوة.
المسار الثاني
مسجد الجمعة
المكان الذي صلى فيه النبي ﷺ أول صلاة جمعة بعد هجرته إلى المدينة، وخطب فيه أول خطبة جمعة في الإسلام. لا يزال المسجد يحمل عبق ذلك اليوم التاريخي الذي التقى فيه المهاجرون والأنصار تحت راية واحدة.
قلعة قباء التاريخية
حصن قديم يُقال إنه استُخدم لحماية المدينة في فترات مختلفة من الزمن، ويروي تاريخ الدفاع عن المدينة الطاهرة. جدرانها الشامخة تحكي عن رجال حمَوا هذا المكان الذي احتضن أولى خطوات النور.
بئر العهن
من أقدم آبار المدينة، كانت موردًا لأهلها وتُروى عنها مواقف شهيرة في السيرة. اسمها مشتق من مادة "العهن" (الصوف المصبوغ)، وقد يكون دلالة على ألوان الحياة التي تدفقت حولها في زمنٍ مضى.
منزل الصحابي عتبان بن مالك
أحد بيوت الأنصار الذين نصروا النبي ﷺ. شهد هذا المكان موقفًا نبويًا مؤثرًا، حين طلب عتبان من الرسول أن يُصلي في بيته ليكون موضع صلاته مصلى له. زيارة هذا الموضع هي عودة لصفحات الوفاء بين النبي وأصحابه.
بئر الفقير (بئر سلمان الفارسي)
يُقال إن الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه حفرها بنفسه، وكانت تُسقى منها النخيل وتُروى منها الأرض. وهي شاهدة على جهاد رجل بحث عن الحق حتى وجده في المدينة، فخلّد اسمه بين أعظم الصحابة.
مزرعة المربد
هي الأرض التي تحوّلت لاحقًا إلى مسجد رسول الله ﷺ، وكانت في الأصل ساحة لتجفيف التمر يملكها غلامان يتيمان. شراء النبي ﷺ لها وبناؤه للمسجد فيها يروي كيف انطلقت أنوار الإسلام من أرضٍ بسيطة لتملأ العالم.
المسار الثالث
جولة أحد: موقع المعركة
ميدان معركة أحد الخالدة، حيث ثبت الصحابة أمام جيشٍ يفوقهم عددًا. رغم ما حدث فيها من ابتلاء، إلا أن الأرض تحتفظ بعزيمة الشهداء وبصمات البطولة، وكأن الصخور لا تزال تروي نداءات الإيمان.
جبل الرماة
المكان الذي وقف عليه الرماة في معركة أحد، حين أوصاهم النبي ﷺ بعدم ترك مواقعهم. الوقوف عليه اليوم يذكّر بقيمة الطاعة، ويعيدك لمشهد المعركة وكأنك تشاهدها بعينيك.
مقبرة شهداء أحد
هنا يرقد أسد الله حمزة بن عبد المطلب، ومعه عشرات من الصحابة الشهداء. تزور المكان بقلبٍ خاشع، وتقرأ السلام على أرواح سطّرت المجد بدمائها، وكأنك تهمس: جزاكم الله عنّا خيرًا.
بُني بجوار مقبرة الشهداء تخليدًا لذكرى حمزة رضي الله عنه. يُقال إن النبي ﷺ صلى في هذا الموضع، فغدا المسجد رمزًا للثبات والوفاء، ومقصدًا للزوار الباحثين عن لحظة خشوع بين دموع التاريخ.
هو الموضع الذي ارتدى فيه النبي ﷺ درعه قبل المعركة، والتقى فيه بالصحابة لمشاورتهم. كان مركزًا للتخطيط العسكري وموقعًا يُجسّد سنة الشورى النبوية في أبهى صورها.
مسجد الفسح، المعروف أيضًا بمسجد أحد أو المسجد الفسيح، هو مسجد تاريخي يقع في المدينة المنورة، وتحديدًا على سفح جبل أحد. يرتبط المسجد بأحداث غزوة أحد، حيث صلى فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جمعاً وقصراً بعد انتهاء المعركة.
وجهة استرخاء فريدة وسط التاريخ.. تقع بالقرب من موقع المعركة، وتُقدم تجربة زراعية وعائلية راقية تعيدك لروح المدينة الهادئة. بين النخيل والظل والماء، يجد الزائر توازنًا بين الماضي والحاضر.
هنا تغيّرت القبلة بأمر من السماء…
كان الصحابة يصلّون صلاة الظهر، فنزل الوحي يأمرهم بالتحول من بيت المقدس إلى الكعبة، فاستداروا وهم في الصلاة. مسجد القبلتين هو الوحيد الذي صُلِّي فيه إلى قبلتين في ركعة واحدة.
مكان يُجسّد الطاعة الحيّة واستجابة المؤمن لأمر الله لحظة بلحظة.
مسرح أحداث غزوة الأحزاب، حيث حفر النبي ﷺ وصحابته الخندق لحماية المدينة من عشرة آلاف مقاتل. هنا وقف الإيمان في وجه الزحف، وثبتت القلوب رغم شدة البرد والجوع.
كل صخرة وجدار هنا تروي قصة الحصار والصبر والنصر من فوق سبع سماوات.
واحات من الفخامة والوقار تعود لعصر التابعين.
عُروة بن الزُبير، ابن أسماء بنت أبي بكر، وواحد من أعلم أهل المدينة، بنى هذه القصور في وادي العقيق لتكون ملتقى للعلم والعبادة.
بقايا الجدران تُحدّثك عن رفاهية زاهدة ونور يسكن القلوب لا القصور.
أكبر مساجد منطقة الخندق، وقيل إن النبي ﷺ دعا فيه بالنصر خلال غزوة الأحزاب، فاستُجيب له.
مكان تغشاه الطمأنينة، وكأن الدعاء لا يزال يتردّد بين جدرانه، يلهم كل من زاره أن يرفع يديه بثقة بمن لا يُخيّب الرجاء.
من أحب الأودية إلى النبي ﷺ، وقال عنه: "أتاني آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك"
يمتد الوادي على طريق المدينة – ميقات ذو الحليفة، وكان مصيفًا للنبي ﷺ والصحابة.
هدوءه وسحر طبيعته يجعلانك تشعر وكأنك تسير بين بركة وتاريخ.
واحة خضراء تحاكي بساتين المدينة القديمة، تقع قرب المناطق التاريخية، وتوفر جلسات تحت ظلال النخيل في جو روحي فريد.
يقال إن النبي ﷺ استظل في مكان قريب منه، فصار رمزًا للراحة بعد المشقة، وللتأمل في عظمة الخالق وسط نعمه.